
في المملكة العربية السعودية، أنعم الله علينا بنعمة عظيمة لا تضاهيها نعمة، ألا وهي احتضان الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. هذا الشرف الرفيع جعل بلادنا وجهة للملايين من المسلمين من شتى بقاع الأرض، ومنحنا شرفًا أعظم يتمثل في خدمة ضيوف الرحمن وتيسير أداء مناسكهم على أكمل وجه.
رغم أن توافد المسلمين إلى الأراضي المقدسة مستمر طوال أيام السنة، إلا أن موسم الحج يمثل الحدث الأكبر والأكثر أهمية؛ إذ يحتشد ملايين المسلمين في فترة زمنية قصيرة لأداء هذه الفريضة العظيمة. هذا التوافد المكثف يستدعي تسخير كل الإمكانات والطاقات لخدمة الحجاج وتلبية احتياجاتهم كافة.
في هذا الموسم الإيماني الفريد، تتضافر جهود جميع الجهات الرسمية في المملكة، من مدنية وعسكرية، لضمان أمن الحجاج وتلبية متطلباتهم على الوجه الأمثل، وهنا يبرز الدور المحوري للخدمات اللوجستية، التي تظهر واضحة في كل جانب من جوانب موسم الحج. فما الذي يمكننا أن نراه في لوجستيات الحج؟
بنظرة عامة، نجد أن جميع مكونات سلاسل الإمداد تتجلى بوضوح في هذا الموسم، فلو أردنا اختصار تعريف سلاسل الإمداد بكلمة واحدة، لقلنا إنها “التكامل”، إذ لا يمكن تحقيق سلسلة إمداد مثالية ما لم يكن هناك انسجام وتكامل تام بين جميع الأطراف المعنية، وبالعودة إلى موسم الحج، نجد التكامل حاضرا بكل وضوح؛ إذ تتكامل جهود مختلف القطاعات المرتبطة بهذا الحدث العظيم.
على سبيل المثال، تبرز وزارة الحج والعمرة بدور كبير في التنظيم، وتقدم وزارة الداخلية كل إمكاناتها لضمان سلامة ضيوف الرحمن، فيما تشكل وزارة النقل والخدمات اللوجستية الشريان الرئيسي للحركة والتنقل، وتتضافر هذه الجهود مع قطاعات حكومية وخاصة عديدة، لتشكل منظومة لوجستية متكاملة تعمل بتناغم لخدمة الحجاج.
هذا التكامل يهدف إلى تنظيم التدفقات المختلفة التي تشكل العمود الفقري لسلاسل الإمداد، وهذه التدفقات بأنواعها المختلفة تُعد من العناصر الجوهرية لأي سلسلة إمداد ناجحة. في موسم الحج، نجد تدفق المواد حاضرًا في كل ركن؛ من الأغذية والمياه والأدوية، إلى مستلزمات النظافة، والخيام، وأجهزة الاتصال، وغيرها من الاحتياجات الضرورية.
أما التدفقات النقدية وهي ثاني تدفقات سلاسل الإمداد، فتظهر بوضوح في جميع النفقات المرتبطة بالحج؛ إذ تنتقل الأموال عبر مختلف مستويات السلسلة بشكل تدريجي، بدءًا من الجهات التي تقدم الخدمات المباشرة، ثم تصعد لتغطي جميع الأطراف المشاركة، بما في ذلك القطاعات التنظيمية والداعمة، وصولًا إلى كل جهة ساهمت في تقديم الخدمات والبنية التحتية اللازمة لهذا الموسم المبارك.
وثالث هذه التدفقات وهو الأكثر أهمية يتمثل في تدفق المعلومات، فلا وجود لأي سلسلة إمداد دون معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب، وفي موسم الحج، تتدفق المعلومات بشكل مستمر بين الجهات الرسمية فيما بينها، وبينها وبين شركات القطاع الخاص، وبين مقدمي الخدمات والحجاج أنفسهم، هذه المعلومات والتي تتدفق من بداية السلسلة لنهايتها والعكس هي التي تنسق حركة الجميع وتربط كل أجزاء السلسلة ببعضها البعض.
كل سلسلة إمداد لها بُعدان أساسيان، سلسلة داخلية وسلسلة خارجية. السلسلة الداخلية تخص كل جهة بعينها، حيث تنسق قطاعاتها المختلفة فيما بينها، بينما تتكامل هذه السلسلة بعد ذلك مع سلاسل الجهات الأخرى لتشكيل سلسلة خارجية متكاملة، وينطبق هذا المنهج على لوجستيات الحج.
للتوضيح، دعونا نأخذ مثالًا، وزارة النقل والخدمات اللوجستية تضم تحت مظلتها قطاعات عديدة مثل الهيئة العامة للطيران المدني، والهيئة العامة للنقل، والهيئة العامة للموانئ وغيرها، وهذه الهيئات تشكل فيما بينها سلسلة إمداد داخلية للوزارة، ثم تتكامل هذه السلسلة مع سلاسل وزارات وهيئات أخرى، لتشكل معًا منظومة لوجستية متكاملة.
لو تعمقنا أكثر، لوجدنا أن كل هيئة داخل الوزارة لها أيضًا سلسلة داخلية متكاملة فيما بينها لتتكامل لاحقا مع سلسلة الإمداد الداخلية للوزارة والتي تعتبر سلسلة خارجية بالنسبة لتلك الهيئة. هذه الشبكة المعقدة تعكس حجم الجهد المبذول في تنسيق العمل بين جميع الأطراف.
مما لا شك فيه أن جميع هذه الجوانب لا تكتمل إلا بوجود الخدمات اللوجستية، التي تشكل الذراع التشغيلي الحيوي لسلاسل الإمداد، فدون خدمات النقل، سواء البري أو البحري أو الجوي أو السككي، لا يمكن تحقيق تدفق المواد بكفاءة، ويظهر أيضًا دور مهم للمستودعات والتخزين في توفير مخزون الغذاء والأدوية والمستلزمات المختلفة، كما يظهر دور الموانئ وخدمات التخليص الجمركي وغيرها من الخدمات اللوجستية بشكل متكامل ضمن منظومة الحج.
وإذا تحدثنا عن حركة المواد، فلا يمكن أن نغفل كذلك عن حركة الحجاج أنفسهم؛ إذ تلعب الخدمات اللوجستية دورًا أساسيًا في المطارات والمنافذ البرية، وكذلك في نقل الركاب بين المدن وداخل المشاعر المقدسة بمختلف وسائل النقل.
في الختام، يمكننا القول إن سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية هي شريان الحياة الذي يضمن نجاح موسم الحج على أكمل وجه، ما توليه المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحكيمة ومواطنيها الأوفياء، من عناية واهتمام بهذا الموسم الإيماني العظيم، يعكس التزامًا عميقًا بتسخير كل الإمكانات المتقدمة وتقديم كل الدعم، بهدف نيل شرف خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن بأفضل صورة ممكنة.