المستودعات والتخزينسلسلة التوريد

الاستثمار في المستودعات وخدمات التخزين للغير

كم تبلغ تكاليف تأسيس ‫مستودع‬ لاستخدامه في تقديم خدمات ‫التخزين‬ للغير وما هي الأرباح المتوقعة؟

كثير من الأشخاص وجهوا لي هذا السؤال، وبالتأكيد فإن الإجابة عليه ليست سهلة، وما سأتحدث عنه هنا ليس سوى بعض الجوانب بشكل مختصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحديث سيكون عن تأسيس المستودعات وليس تأسيس شركة متكاملة مع إداراتها الخدمية.

في البداية ينبغي أن أوضح بأن ما سأذكره هنا هو الأسلوب الذي استخدمه شخصيا وليس بالضرورة أن يكون الطريقة الأمثل؟

إن أي نشاط تجاري يبنى على جانبين رئيسين، فهناك جوانب التكاليف ويقابله الإيرادات المتوقعة، وبناء عليهما يمكن أن نحدد جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية.

يمكن أن نقسم التكاليف إلى نوعين، النوع الأول هو التكاليف التأسيسية وأما الثاني فهو التكاليف التشغيلية، وكل قسم من هذه التكاليف يمكن أن يتم تجزئته إلى مجموعتين ، المجموعة الأولى هي التكاليف الإلزامية التي لا يمكن بدء العمل بدونها والمجموعة الثانية هي التكاليف الاختيارية، ونقصد بها التكاليف التي لا تعتبر إلزامية من الناحية التشغيلية، ومن أمثلة المجموعة الثانية تقنيات الأتمتة المتقدمة والروبوتات، أو حتى بعض التقنيات العادية مثل أجهزة المسح الضوئي RF Scanners.

التكاليف التأسيسية أو تكاليف الاستثمار الأولي هي التكاليف التي يتحملها المستثمر في بداية تأسيس النشاط، ومنها على سبيل المثال تكاليف أرفف تخزين الطبليات Racking System أو الأرفف العادية Shelves (إن كنت ستعتمد على التخزين بالأرفف)، ومنها معدات المناولة مثل الرافعات الشوكية (إن ذهبت لخيار الشراء)، ومنها كاميرات المراقبة، وأنظمة الإنذار ومكافحة الحريق، ومن الممكن أن يكون المستودع نفسه ضمن التكاليف التأسيسية إن كان خيارك هو البناء، وغيرها من التكاليف الأخرى.

في الجانب الآخر فإن التكاليف التشغيلية هي التكاليف التي ستتحملها بمجرد أن تكون جاهزا لبدء العمل، والبعض منها سيفرض عليك حتى قبل البدء بالتشغيل، وهذه التكاليف يمكن أن نقسمها إلى نوعين، وهما التكاليف الثابتة والتكاليف المتغيرة، فالتكاليف الثابتة هي التي ستضطر لدفعها سواء كانت لديك مبيعات وعمليات تشغيلية أم لا، والمتغيرة هي تلك التكاليف التي تزيد أو تنقص حسب حجم العمل.

من التكاليف الثابتة إيجار المستودع، والرواتب، وإيجار المعدات، ورسوم الاشتراكات في بعض الخدمات مثل نظام إدارة المستودع السحابي Cloud Warehouse Management System (WMS)، وغيرها.

أما التكاليف المتغيرة فمنها مستلزمات التخزين مثل الطبليات الفارغة ومستلزمات التغليف، والوقود الذي يستخدم لمعدات المناولة، وأجرة ساعات العمل الإضافي للموظفين ونحو ذلك من الأمور الأخرى التي تتغير طرديا حسب حجم العمل.

إن أسهل طريقة للتعامل مع التكاليف هي بتحويلها جميعا إلى تكاليف شهرية، بما في ذلك التكاليف التأسيسية، ونعتمد لاحتساب التكاليف التأسيسية على أساس شهري تحديد مدد لإهلاك الأصول، أو أن نعتمد على مدة المشروع إن كان تأسيس المستودع لمشروع محدد المدة.

هذا بالنسبة للتكاليف، فماذا عن الإيرادات المتوقعة؟

أميل إلى تقسيم الإيرادات إلى نوعين حسب نسبة ضمان تحققها، وهما إيرادات قابلة للقياس وإيرادات مفترضة، فماذا نقصد بهاذين النوعين؟

الإيرادات القابلة للقياس تكون غالبا للمستودعات التي يتم إنشاؤها بناء على متطلبات عميل محدد، فيكون هناك اتفاق مثلا لإنشاء مستودع بمواصفات معينة، ويلتزم العميل بإتمام التعاقد عند الانتهاء من إنشاء المستودع، ويتم عمل اتفاق بذلك بين الطرفين ويكون هذا الاتفاق ملزما للعميل إذا تمكن مقدم الخدمة من تأسيس المستودع وفقا للشروط المتفق عليها، مثل الالتزام بالمدة المحددة للتأسيس ومعيار الالتزام بالمواصفات التي تعهد بالالتزام بها.

نسبة الدقة في الإيرادات القابلة للقياس في بعض العقود تكون كبيرة جدا، وقد تكون أقل دقة في عقود أخرى (ولكنها تبقى بدرجة كافية من الأمان غالبا)، فبعض العقود تكون ثابتة القيمة بشكل كامل، حيث يشمل السعر المتفق عليه جميع الخدمات المقدمة مثل التخزين والمناولة وكافة الخدمات الإضافية إن وجدت.

الطريقة الأخرى الأكثر شيوعا يكون العقد فيها عبارة عن مزيج من التكاليف الثابتة والمتغيرة، كأن يلتزم العميل بدفع قيمة التخزين لعدد 5000 طبلية مثلا، بينما تكون رسوم المناولة والخدمات الأخرى بتكاليف إضافية، وبالتالي تكون الإيرادات متغيرة حسب حجم العمل، وقد تكون لدينا بعض البيانات التاريخية التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد حجم المناولة المتوقع وبناء عليه يمكن أن نتنبأ بالإيرادات المتوقعة من خدمات المناولة.

يعتبر خيار المزج بين الإيرادات الثابتة والمتغيرة أكثر مرونة للطرفين وهو الخيار الذي يفضله أغلب مقدمي خدمات التخزين للغير.

النوع الآخر من الإيرادات كما ذكرت هو الإيرادات المفترضة، ويكون هذا النوع في حال تأسيس المستودع بدون وجود عقد أو عقود مسبقة مع أي جهة، فيقوم المستثمر هنا بتأسيس المستودع ومن ثم البحث عن العملاء، وهناك الكثير من المستثمرين الذين يعتمدون على هذه الطريقة إذا أثبتت الدراسات وجود طلب عالٍ بالسوق، وكان من الأسهل الحصول على العقود في حال مشاهدة العملاء المحتملين للمستودع أمام أعينهم بعد إنشاءه.

عند اختيار الطريقة الثانية وهي إنشاء المستودع ومن ثم البحث عن العملاء فهذا يعني أنه قد يكون لدينا أكثر من سيناريو للتشغيل، ومن ذلك:

– عدد كبير من صغار العملاء بمنتجات مختلفة وتذبذب في الكميات المخزنة.
– عميل كبير يستحوذ على كامل المساحة التخزينية بعقد طويل.
– عدد من العملاء المتوسطين بكميات معقولة من المخزون ومزيج بين العقود الطويلة والقصيرة المدى.

وهناك بالطبع سيناريوهات أخرى مختلفة، ويبقى السؤال هنا، كيف نحسب الأرباح المتوقعة؟

معادلة الأرباح سهلة نظريا وهي الفرق بين الإيرادات والتكاليف، صحيح؟

الكل يعرف هذه المعادلة ولكن كيف نطبق هذا الأمر في مجال خدمات التخزين للغير؟

لو افترضنا أن المستودع يعمل بنظام الأرفف Racking System فإن علينا التركيز على عدد الطبليات الممكن تخزينها بالمستودع.

إذا افترضنا أن لدينا 5000 موقع تخزيني وكان إجمالي التكاليف الشهرية 150,000 ريال فإن تكلفة تخزين الطبلية الواحدة هي 30 ريالا في حال كانت نسبة الإشغال 100%.

تحديد نسبة الإشغال المتوقعة تختلف باختلاف الحالات، فإذا كانت الإيرادات قابلة للقياس فإنه من السهل الاعتماد على نسبة محددة ودقيقة، أما إذا كانت الإيرادات افتراضية فلا بد من تحديد نسبة واقعية للإشغال وكمن ثم احتساب تكلفة تخزين الطبلية حسب تلك النسبة.

إذا علمنا تكلفة التخزين للطبلية فهذا يساعدنا في التسعير، وعلينا أن نعتمد على عدد من الأمور الأخرى عند تحديد الأسعار إلى جانب معيار التكلفة:

أسعار المنافسين، وتختلف درجة أهميتها حسب استراتيجيتنا التنافسية، فهل هي منافسة سعرية أو منافسة بالاختلاف أو منافسة بالتركيز (هذا لو اعتمدنا استراتيجيات مايكل بورتر الشهيرة للمنافسة)، وبالطبع فإن المقارنة ينبغي أن تكون لنفس نوع التخزين المستهدف، فلا يمكن مقارنة التخزين الكيميائي بالغذائي مثلا.
– ⁠نوع العميل، فبعض العملاء يتقبلون السعر الأعلى مقابل الجودة العالية، والبعض الآخر يكون حساسا للتكاليف بشكل كبير.
⁠الموازنة بين التخزين والحركة، فالعميل الذي لديه مخزون راكد، وتكون الإيرادات التي نحصل عليها من المناولة لهذا العميل منخفضة، يختلف التسعير له عن العميل الذي لديه معدل حركة مرتفع، وكذلك إذا كان نوع تحضير الطلبات ومناولتها يتم كطبليات كاملة أو أجزاء من طبليات.
⁠الوصول إلى نقطة التعادل، فمن الضروري أن يعرف المستثمر متى سيستعيد مبلغ الاستثمار الأولي، وإذا كان العقد لعميل محدد وله مدة واضحة ومتفق عليها فلا بد أن تغطي قيمة العقد الكلية كافة مبلغ الاستثمار مضافا إليها الأرباح المعقولة.

طريقة احتساب التكاليف والإيرادات تختلف أيضا حسب نوع المستودع، فالمستودعات المخصصة لتخزين الطبليات تختلف عن المستودعات التي تخزن فيها المنتجات الكبيرة كالأثاث، والمستودعات المخصصة للتجارة الإلكترونية لها استراتيجياتها الخاصة من ناحية التجهيزات والخدمات والتسعير.

هل يعتبر إنشاء المستودع أمرا سهلا؟

لا، ولكن درجة الصعوبة تختلف حسب عدد من المعايير والمتطلبات وهي كثيرة ومتشعبة.

هل تكاليف التأسيس عالية؟

بشكل عام نعم، ولكن هناك استراتيجيات كثيرة للاستثمار في هذا المجال.

هل المخاطرة عالية؟

هذا يعتمد على عدد من الأمور التي تحتاج إلى دراسة دقيقة، فمثلا إنشاء المستودع بعقد التزام من عميل محدد يعتبر أقل خطورة بكثير من خيار إنشاء المستودع ومن ثم البحث عن العملاء.

هل العائد على الاستثمار مرتفع؟

هناك عدة عوامل تحدد ذلك، ولكن بشكل عام يعتبر الاستثمار في هذا المجال جيد جدا خاصة مع تطور الخدمات اللوجستية في المملكة والعالم، وزيادة الاعتمادية على الشركات المقدمة للخدمات اللوجستية للغير.

أخيرا، لا بد أن أقول بأن الدخول لهذا المجال يحتاج لدراسة معمقة ومتأنية وما ذكرته هنا مجرد لمحات مختصرة لتوضيح بعض الأمور العامة ومساعدة المستثمر في الجوانب الأساسية ليتمكن من التعمق في التفاصيل لاحقا.


هذا المقال برعاية: الحلول الفريدة لخدمات التخزين

Mohammad Alzayer

مستشار في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، خبير سلاسل الإمداد والتجارة الإلكترونية. حاصل على درجة الماجستير في إدارة سلسلة التوريد من Dublin Institute of Technology بجمهورية إيرلندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× تواصل معي