تعتبر زيادة الربحية بالنسبة للأنشطة التجارية من المسلمات وهي السبب الرئيسي لوجود العمل التجاري واستمراريته، ولذا نجد اهتماما بالغا من أصحاب الأعمال بكل ما يتعلق بزيادة الربحية ومحاربة كل ما يؤدي إلى تقليلها ومن هنا كُتِبت المقالات وأُعِدت الدروس وهُيِأت الدورات والمحاضرات والاستشارات لمساعدة رواد الأعمال فيما يتعلق بخفض التكاليف لما لها من أثر بالغ الأهمية في زيادة الربحية.
قد يأتي بذهنك سؤال حول علاقة المقدمة السابقة بموضوعنا حول حلول التخزين للأنشطة التجارية الصغيرة، ولن تستغرب تلك المقدمة إذا ما عرفت بأن الجوانب المتعلقة بسلاسل الإمداد بشكل عام وبجانب المستودعات والتخزين بشكل خاص لها أثر بالغ وكبير في التكاليف التي تتحملها الجهات التجارية، والاختيار الصحيح لحلول التخزين المناسبة يساهم بخفض التكاليف وزيادة الكفاءة التشغيلية بينما العكس قد يؤدي إلى ما لايحمد عقباه في ظل أسواق تنافسية شرسة تعدت الحدود الجغرافية للأوطان.
إن اختياري للأنشطة التجارية الصغيرة ليس لأهمية الأمر لتلك الجهات فقط؛ بل أن هذا الأمر يعتبر أكثر أهمية وتعقيدا للمنشآت الكبيرة والضخمة، ولكن تلك الجهات غالبا ما تمتلك الخبرات والطاقات والمستشارين الذين يتعاونون لاختيار الحلول الأمثل في مختلف الجوانب الاستراتيجية والتشغيلية، وفي المقابل تكون هذه الأمور أكثر صعوبة للجهات الصغيرة والمبتدئة والتي قد لا يعرف متخذي القرارات بها ما يتعلق بخيارات حلول التخزين والذي يحصره البعض باستئجار أو شراء المستودعات وتشغيلها.
قبل أن نسهب بالحديث في الموضوع أود عزيزي القارئ أن تطرح على نفسك سؤالا وهو ما هي الحاجة إلى وجود مخزون بالنسبة للأنشطة التجارية؟
قد تختلف أسباب الحاجة إلى توفر المخزون من نشاط تجاري إلى آخر ومن الصعب حصر جميع الأسباب، ولكن هناك أسباب شائعة لهذه الحاجة ومنها:
- بعد المواد الخام عن مواقع الإنتاج بالنسبة للشركات التصنيعية.
- بعد منافذ البيع عن مواقع الإنتاج أو المستودعات الرئيسية.
- الحاجة إلى شراء كميات كبيرة من المنتجات لمواجهة زيادة الطلب أثناء فترات المواسم.
- شراء كميات كبيرة من المنتجات للحصول على أسعار منخفضة من المُصَنّع أو بائع الجملة.
- استيراد كميات أكبر لتخفيض تكاليف الشحن.
- الاحتفاظ بمخزون الأمان لعدم انقطاع التوريد وخاصة في فترات الأزمات.
- التأهب للارتفاع المتوقع في أسعار المنتجات أو الشحن أو غيرها من الخدمات المساندة.
وفي ظل هذه الأسباب وغيرها يتضح لنا أهمية المخزون حتى وإن كان بالحد الأدنى ورغم توجه الكثير من الجهات وخاصة الإنتاجية إلى منهجيات حديثة مثل Just In Time والتي تعتمد على الإنتاج حسب الطلب وتقليل المخزون إلى أقل حد ممكن لخفض التكاليف.
ما هي أهم حلول التخزين المتاحة للجهات الصغيرة؟
يعتبر استئجار أو شراء مستودع وتشغيله من أكثر الخيارات الشائعة بالنسبة للجهات الباحثة عن حلول التخزين، وهي بكل تأكيد إحدى الخيارات التي قد تكون جيدة لبعض الأنشطة والتي تتلائم ظروف التخزين فيها مع هذا الأمر، وسأتحدث بشكل مختصر عن بعض الخيارات المتاحة:
الخيار الأول: استئجار أو شراء المستودعات
وكما ذكرت فهو الخيار الشائع بالنسبة للكثيرين، بحيث تقوم الجهة التجارية بشراء أو استئجار مستودع وتشغيله بنفسها دون الاستعانة بأي أطراف أخرى، ونجد هذا الخيار منتشرا بالنسبة للكثير من الأنشطة التجارية الصغيرة ولكن قد يكون صعبا بالنسبة للأنشطة التجارية متناهية الصغر.
الخيار الثاني: مقدمي خدمات التخزين للغير 3PL
قد لا يعرف بعض أصحاب الأعمال والمالكين لأنشطة تجارية صغيرة بأن إنشاء مستودعاتهم الخاصة لتخزين البضائع هي واحدة من الحلول، ولكن ذلك بكل تأكيد ليس الحل الوحيد وأن هناك حلولا أخرى للتخزين يمكن دراستها ومقارنتها بالحل التقليدي القائم على استئجار أو شراء مستودع، ومن هذه الحلول التعاقد مع إحدى الشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير أو كما يعرف بالمجال اللوجستي بـ Third Party Logistics أو اختصارا 3PL.
الشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير هي غالبا ليست شركات تمتلك بضائعها الخاصة وإنما هي جهات مالكة أو مستأجرة لمستودعات تستخدمها لتقديم حلول تخزينية احترافية لعملائها، وتشمل تلك الحلول بالإضافة إلى التخزين كافة عمليات المستودعات وما يتعلق بإدارة المخزون والحفاظ عليه، ويمكن الاستزادة حول عمليات المستودعات بالرجوع إلى مقالي السابق بعنوان دليل المبتدئين إلى إدارة عمليات المستودعات وفيه تفصيل حول تلك العمليات التي تتم في البيئة التشغيلية المرتبطة بالتخزين.
قد تختلف الشركات المقدمة لهذا النوع من الخدمات في طريقة عملها أو في كيفية تقديم خدماتها وقد يكون الاختلاف بسبب طبيعة التخزين والمخزون أو الأهداف التعاقدية بين الشركة وعملائها، وسأتحدث عن شكلين شائعين لهذا النوع من الشركات.
1. خدمات التخزين بالطبلية
وهي خدمات قائمة على تأجير المساحات التخزينية للطبليات (الطبلية عبارة عن منصة متحركة مصنوعة غالبا من الخشب ويمكن تحريكها بالرافعة الشوكية Forklift)، وتقوم الشركات هنا بتقديم الخدمة من خلال الاتفاق على عدد الطبليات المطلوب تخزينها والتسعير على هذا الأساس.
2. خدمات التخزين للمتاجر الإلكترونية في مستودعات التحضير والتجهيز Fulfillment Centers
تختلف أنشطة التجارة الإلكترونية في متطلباتها واحتياجتها التخزينية وبالتالي فإن حلول التخزين الموجهة لها ينبغي أن تكون متناسبة مع تلك المتطلبات، ولهذا تعتبر مراكز التحضير والتجهيز Fulfilment Centers الشكل الشائع لمستودعات التجارة الإلكترونية وذلك لأنها مهيأة بالكثير من الأمور التي تجعلها مناسبة لهذا النوع من المتاجر ومنها:
- توفير التخزين للكراتين والمنتجات الصغيرة على الأرفف العادية Shelves بدلا من أرفف تخزين الطبليات Racks، وقد تجمع بعض هذه المستودعات خاصة تلك المملوكة لمتاجر إلكترونية كبرى النوعين معا بحيث يتم تخزين الكميات الكبيرة على طبليات وتخزين جزء من الكميات على أرفف التخزين العادية لسهولة التحضير.
- تَوفر الربط التقني بين المتجر الإلكتروني والمستودع بحيث يتم إرسال الطلبات الجديدة بشكل تلقائي من نظام المتجر إلى المستودع ومن ثم لشركة الشحن.
- تُوفر مراكز التحضير والتجهيز خدمات تجميع الطلبات وتجهيزها وتغليفها لحين تسليمها لشركات الشحن.
بالإضافة إلى العديد من المزايا الأخرى التي تميز هذا النوع من المستودعات.
من الضروري أن تكون مستودعات التحضير والتجهيز مهيأة بمستويات عليا من التقنية لضمان السرعة والدقة في تحضير الطلبات الصغيرة والكثيرة في نفس الوقت والتي تتميز بها المتاجر الإلكترونية.
الخيار الثالث: شركات التخزين الذاتي
تعتبر مساحات التخزين الذاتي بشكلها الحديث إحدى الطرق المستخدمة ضمن حلول التخزين خاصة للجهات التجارية الصغيرة، وتوفر شركات التخزين الذاتي غرفا تخزينية صغيرة نسبيا من خلال تقسيم مساحات كبيرة إلى غرف صغيرة الحجم وتأجيرها للجهات التجارية وحتى الأفراد.
وفي هذا النوع من التخزين لا تتولى شركات التخزين الذاتي مسؤولية عمليات التخزين ولا إدارة المخزون وإنما يكون ذلك الأمر مسؤولية المستأجر، والميزة الرئيسية لهذا النوع من التخزين هو إمكانية الحصول على مساحات تخزينية صغيرة بدلا من استئجار أو شراء مستودعات كاملة وما يرتبط بذلك من تراخيص وإجراءات تنظيمية.
ما هي حلول التخزين الأمثل لنشاطي التجاري؟
إذا كنت قد فكرت بطرح هذا السؤال والحصول على إجابة عليه فسأقول لك بأنه لا يمكن لأي شخص أن يجيبك أو يرشدك في ما يتعلق بهذا الأمر إلا من خلال دراسة مختلف الجوانب لنشاطك التجاري والمقارنة بين حلول التخزين المتاحة وإمكانية تطبيق كل منها على نشاطك، وينبغي أن لا تركز الدراسة على ما يرتبط بالتكلفة وحسب؛ بل الأخذ بالحسبان الجوانب الأخرى والتي منها تحسين الكفاءة التشغيلية وجودة الخدمات المقدمة.
قد تكون تكلفة التعاقد مع الشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير بالنسبة للكثير من الشركات الكبرى أعلى في بعض الأحيان من تشغيل تلك الشركات لمستودعاتها الخاصة، ولكن نجد الكثير من تلك الشركات تتعاقد مع مقدمي خدمات التخزين لأسباب كثيرة ومنها رغبة تلك الجهات بالتركيز على العمليات التشغيلية الرئيسية ورفع كفاءتها والاستفادة من الجهات الأكثر خبرة منها في ما يتعلق بالخدمات المساندة، أو عدم رغبة تلك الجهات باستثمار مبالغ كبيرة لإنشاء وتشغيل المستودعات والتي تتطلب استثمارا كبيرا وقت التأسيس، وكذلك للعديد من الأسباب الأخرى التي قد تختلف حسب توجه كل شركة ورؤيتها.
بالعودة إلى الأنشطة التجارية الصغيرة فإن هناك عددا من النقاط التي ينبغي دراستها لإتخاذ القرار المناسب، ويمكن أن اذكر بعضا من تلك النقاط:
1. حجم المساحات التخزينية
إذا كنت بحاجة لمساحة تخزين لا تتجاوز الخمسين مترا مربعا فهل الخيار الأفضل أن تستأجر مستودعا بمساحة ثلاثمئة متر مربع أو أن تتعاقد مع شركة مقدمة لخدمات التخزين للغير؟ قد يخطأ البعض في تقدير الأمر فقد تناقشت مرات كثيرة مع بعض الأشخاص الذين يستأجرون مستودعاتهم الخاصة رغم حاجتهم لمساحات صغيرة بحجة أن تكلفة التخزين لعدد 50 طبلية مثلا سنويا قد تعادل نصف قيمة استئجار مستودع بمساحة تتجاوز الثلاثمئة متر مربع، ولكن هؤلاء الأشخاص لا يأخذون بعين الاعتبار المساحة المهدرة من المستودع وتكاليف التراخيص والموظفين والعمليات التشغيلية وغيرها.
2. العمليات التشغيلية
لا يقتصر استئجار المستودع على مساحة التخزين، فبعض الجهات الصغيرة قد تكون بحاجة إلى مساحات كبيرة نسبيا ولكن يبقى خيار التعاقد مع الشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير أفضل بالنسبة لها، فتشغيل المستودعات يحتاج إلى الكثير من التجهيزات والمعدات والأنظمة التقنية وكذلك الموظفين وهذه كلها تكاليف إضافية لن تكون موجودة في حال التعاقد مع شركات التخزين، وحتى على فرض أن التكاليف متقاربة بين الخيارين فإن الجهد الإداري سيكون أقل عند التعاقد مع مقدمي خدمات التخزين وسيكون بإمكان أصحاب النشاط التجاري التركيز على عملهم الأساسي.
نجد لدى بعض الأنشطة التجارية مستودعات بمساحات كبيرة نسبيا وممتلئة بالبضائع ولكن تبقى المساحات غير مستغلة بالشكل الصحيح، فمثلا يتم الاعتماد على التخزين الأرضي وعدم استغلال الارتفاع في المستودع برص الطبليات فوق بعضها البعض أو استخدام أرفف تخزين الطبليات وذلك لعدم توفر الرافعة الشوكية والتي قد تكون الجهة التجارية غير قادرة أو راغبة في شراءها، وبالتالي وفي مثل هذه الحالات فإن الاعتماد على المستودعات الخاصة قد يكون مجانبا للصواب.
3. التراخيص والإجراءات النظامية
استئجار المستودع أو شراءه هي الخطوة الأولى، ولكن يتبع ذلك العديد من الخطوات النظامية، فالمستودع مثلا يكون بحاجة لتجيهزات أمنية وتجهيزات مرتبطة بالسلامة تلبي متطلبات الدفاع المدني، وكذلك دفع رسوم التراخيص البلدية أو الرخص المرتبطة بالهيئة العامة للغذاء والدواء وغيرها من المتطلبات الرسمية والتي سيتجنبها التاجر في حال التعاقد مع الشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير والتي تتكفل بتوفير كافة المتطلبات النظامية.
4. الإلتزامات التعاقدية
في حال رغبة الأنشطة التجارية باستئجار مستودعاتها الخاصة فإننا نتحدث غالبا عن التزامات تعاقدية طويلة المدى، أما بالنسبة لشركات التخزين للغير فإنها تختلف في إجراءتها التعاقدية، فبعض الشركات قد تلزم الجهات التجارية الكبرى بعقود طويلة المدى وذلك لأن تلك الشركات لها متطلبات مكلفة من ناحية التجهيزات والمساحات الكبيرة وغيرها، ولكن العديد من مقدمي الخدمات وعند التعاقد مع الجهات التجارية الصغيرة يكونون أكثر مرونة من خلال توفير عقود قصيرة المدى.
بالطبع فإن ليس جميع مقدمي خدمات التخزين يوفرون الحلول التعاقدية قصيرة المدى ولكن هناك بعض الجهات التي توفر هذا النوع من العقود خاصة تلك الشركات التي تقدم خدمات التخزين حسب الطلب On-demand storage.
حلول التخزين لتلبية المتطلبات النظامية
قد تكون بعض الأنشطة التجارية متناهية الصغر ليست بحاجة إلى مساحات تخزينية أصلا، وشخصيا ناقشت العديد من الأشخاص الراغبين بتأسيس متاجر إلكترونية على أن تكون البداية تخزين المنتجات في بيوتهم، وكذلك توجد بعض الجهات التجارية التي تستورد منتجات لعملاءها عند الطلب وتقوم بتسليم تلك المنتجات فورا عند وصولها دون الحاجة إلى تخزينها، ولكن وبالرغم من ذلك تكون الإجراءات النظامية أحيانا ملزمة لتلك الجهات بتوفر مساحات تخزينية، ومن أمثلة ذلك:
- استيراد المنتجات الغذائية والدوائية والتجميلية والتي يتطلب فسحها من الجمارك امتلاك مستودع مرخص من الهيئة العامة للغذاء والدواء أو وجود عقد تخزين مع إحدى الشركات المرخصة من قبل الهيئة لتقديم خدمات التخزين للغير ولنفس المواد التي يرغب التاجر بتخزينها.
- استيراد وفسح المنتجات الكيميائية عالية الخطورة والتي تتطلب امتلاك الجهة التجارية لمستودع مرخص لتخزين هذا النوع من المواد أو وجود تعاقد مع شركة مقدمة لخدمات التخزين للغير وتمتلك مستودعا مرخصا لتخزين هذا النوع من المواد.
ولا يقتصر الأمر على الاستيراد وفسح المنتجات من الجمارك، فإنه وحتى عند شراء المنتجات من تجار محليين وكون تلك المنتجات يتطلب تخزينها مستودعات مرخصة فإن التاجر يكون ملزما نظاما إما بامتلاك مستودع مرخص أو التعاقد مع جهة مالكة لمستودع مرخص حسب نوع المواد التي يرغب بتخزينها.
ولذا نجد الكثير من أصحاب المشاريع الصغيرة يلجأون للشركات المقدمة لخدمات التخزين للغير في مثل هذه الحالات، أو استئجار المساحات التخزينية من شركات التخزين الذاتي والتي يكون البعض منها مرخصا لتخزين بعض المواد التي تتطلب تراخيص خاصة.
ختاما، لا يمكن اختيار الأنسب من حلول التخزين للجهات التجارية الصغيرة إلا بتحليل المتطلبات أولا بشكل جيد ومن ثم دراسة البدائل والخيارات التخزينية المتاحة من مختلف الجوانب والتعرف على التكاليف والأثر المنعكس على الكفاءة التشغيلية للجهة التجارية ومن ثم اختيار الحل الأنسب منها.