بسم الله الرحمن الرحيم
بعد غياب طويل عن كتابة مقالات جديدة بسبب المشاغل الكثيرة أعود اليوم للتعليق على قرار شركة حسوب إغلاق منصة أسناد المخصصة لبيع المنتجات الرقمية.
عندما قرأت الرسالة البريدية التي تفيد بقرار إغلاق المنصة بعد عامين من شراءها وإعادة افتتاحها من قبل شركة حسوب لم يفاجئني الخبر، والمصادفة أني وقبل أيام قليلة من تسلم الرسالة زرت صفحة أسناد على الفيسبوك ولاحظت أنها لم تحدث منذ عدة أشهر وأيقنت بأن الموقع قد تم إهماله من قبل الشركة.
كان ملحوظا منذ البداية بأن موقع أسناد لم يحظى باهتمام ورعاية حسوب منذ بداية إطلاقه مقارنة بالمشاريع الأخرى للشركة، وبغض النظر عن الأسباب المتعلقة بحسوب نفسها أود هنا أن أعلق حول فكرة الموقع ومدى قبولها في العالم العربي حسب تحليلي الشخصي.
فكرة المنتجات الرقمية
المنتجات الرقمية انتشرت بشكل واسع على مدى السنوات الماضية، فهناك أعداد ضخمة من البرمجيات والكتب الإلكترونية وأعمال التصميم وغيرها من المنتجات التي يتم بيعها إلكترونيا وتحظى بإقبال كبير من قبل مستخدمي الإنترنت المهتمين بها، وقد تحدثت سابقا حول المنتجات الرقمية في مقال هل أنت جاهز لبيع منتجاتك الرقمية عبر الإنترنت؟ وفي ذلك المقال أوجزت الشرح حول هذا النوع من المنتجات ويمكن مراجعته للتعرف أكثر على هذا المجال.
المنتجات الرقمية تحظى بقبول واسع على مستوى العالم بشكل عام، ولكن وبما أننا نتحدث عن منصة عربية فينبغي أن نتساءل عن مدى قبولها في العالم العربي تحديدا. في كتابي الإلكتروني المجاني دليلك المختصر لبيع المنتجات الرقمية ذكرت مثالا لمصمم عربي تخصص في تصميم وبيع قوالب وإضافات برمجية لمنصة التدوين الشهيرة WordPress وهو المصمم المصري فؤاد بدوي، فقد استطاع هذا المصمم تحقيق مبيعات كبيرة جدا على الموقع العالمي الشهير Themeforest إذ بيعت منتجاته أكثر من 34 ألف مرة على تلك المنصة حتى الآن، وهناك العديد من الأشخاص العرب الذين يستخدمون نفس المنصة وغيرها من المواقع وقد تمكنوا أيضا من تحقيق مبيعات جيدة.
ولكنك بالطبع ستقول بأن هذا المصمم وغيره قد استخدموا منصة أجنبية لبيع منتجاتهم وأغلب المشترين لتلك المنتجات هم من الأجانب وهذا لا يعطينا مؤشر على مدى قبول الفكرة في عالمنا العربي. هذا صحيح دون شك، وعلينا أن نتساءل عن السبب الذي دفع هذا المصمم وغيره للاعتماد على منصة أجنبية، ويمكنني هنا ذكر بعض الاحتمالات:
- عدم توفر منصة عربية بديلة بنفس الإمكانات أو على الأقل بإمكانات مقبولة.
- المستخدم العربي غير مهتم بالمنتجات الرقمية.
- المستخدم العربي دائما ما يبحث عن نسخ مقرصنة من المنتجات الرقمية.
- صعوبة إتمام عمليات الدفع الإلكتروني في العالم العربي.
- استخدام منصة إنجليزية يتيح الوصول إلى مستخدمين من كافة دول العالم حيث أنها اللغة التي يتحدث بها الكثير من الناس مع اختلاف دولهم ولغاتهم.
دعني أتحدث باختصار حول النقاط السابقة، عدم وجود منصة عربية تضاهي في إمكانياتها البدائل الأجنبية قد يكون سببا ولكني لا أراه السبب الأبرز، لأن هناك منصات متوفرة ويمكن العمل من خلالها وأسناد كانت واحدة منها، وإذا قلنا بأن أسناد تختلف في فكرتها عن Themeforest فإن هناك منصة عربية مقتبسة لفكرة Themeforest وهي منصة بيكاليكا التي أرى أن الإقبال عليها ضعيف من قبل المصممين.
بالنسبة لعدم اهتمام المستخدم العربي بالمنتجات الرقمية فهذا أمر لا أؤمن به شخصيا، فالبرامج التي نستخدمها في أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بنا وفي هواتفنا الذكية كلها منتجات رقمية، وكذلك الحال بالنسبة للسكربتات المختلفة التي تستخدم في المواقع والإضافات البرمجية لمنصة التدوين وورد بريس، والقوالب الجاهزة التي نستخدمها في مواقعنا على الإنترنت، والكتب الإلكترونية المتوفرة في مختلف التخصصات، هذه كلها منتجات رقمية تلقى رواجا وانتشارا واسعا في العالم العربي، ولهذا لا يمكننا القول بأن المستخدم العربي غير مهتم بالمنتجات الرقمية، نعم قد تكون نسبة المهتمين بهكذا منتجات لدينا أقل من بعض الدول الأخرى ولكن هذا لا يعني بأن الاهتمام لدينا ضعيف بهذا المجال.
القرصنة هو أمر يعاني منه أصحاب المنتجات الرقمية بشكل كبير، وهو أمر يؤدي دون شك إلى تقليل المبيعات للمنتج الذي يتعرض لهذا النوع من الانتهاك، ولكن حصر هذا الأمر بالعالم العربي هو أمر خاطئ جدا، فالتعامل مع المنتجات المقرصنة قد يكون في بعض الدول الغربية أكثر بكثير من دولنا العربية، أما بعض الدول الأخرى فقد استطاعت تقليل التعامل مع المنتجات المقرصنة من خلال قوانينها الصارمة والعقوبات التي تتخذها ضد من يقوم بانتهاك حقوق الغير من خلال قرصنة المنتجات أو استخدام المنتجات المقرصنة.
من جانب آخر فإن هناك خطوات وحلول يمكن من خلالها تقليل الأضرار الناتجة عن قرصنة المنتجات، وقد تحدثت حول هذا الأمر في الكتاب الإلكتروني دليلك المختصر لبيع المنتجات الرقمية، ومن هذه الخطوات أن التحديث المستمر للمنتجات قد يجبر المستخدم على الشراء في نهاية الأمر، فإذا كان شخص ما قد استخدم نسخة مقرصنة من منتج رقمي وأعجب بهذا المنتج بشكل كبير، وفي نفس الوقت فإن صاحب المنتج يقوم بنشر تحديثات مستمرة لها أهمية كبيرة لهذا المنتج، فإن هذا قد يجعل لدى مستخدم النسخة المقرصنة رغبة في الحصول على تلك التحديثات مما يدفعه للشراء في نهاية المطاف لأن القرصنة لن تتيح له استخدام كل النسخ المحدثة في الوقت المناسب دون شك.
بالانتقال إلى عمليات الدفع الإلكتروني فاعتقد أننا تجاوزنا هذه العقبة في الفترة الأخيرة في الكثير من الدول العربية، فقد أضحت الكثير من البنوك تقدم بطاقات إئتمانية مسبقة الدفع بشروط ميسرة، وقد تحدثت سابقا عن البطاقات الائتمانية مسبقة الدفع من مصرف الراجحي والبنك الأهلي التجاري في المملكة العربية السعودية وذلك في مقال تجربتي مع البطاقات الائتمانية مسبقة الدفع، كما أن الكثير من المواقع العربية تستخدم بدائل أخرى للدفع أيضا مثل بطاقات كاش يو التي يمكن شراؤها من العديد من المراكز التجارية واستخدامها بعدئذ لإتمام الدفع للمنتجات والخدمات إلكترونيا.
من المؤكد أن الإقبال على المواقع الأجنبية المتخصصة في بيع المنتجات الرقمية أكبر بكثير من المواقع العربية، وهذا يغري أصحاب المنتجات لاستخدام تلك المنصات، واستخدام اللغة الإنجليزية يجعل من السهل استهداف الناس في مختلف دول العالم، ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن المنصات العربية ليس فقط أجل دعمها بل لأنها تزيد من فرصة الربح أيضا، فهناك أشخاص لا يجيدون اللغة الإنجليزية وآخرون يفضلون المنصات العربية لسبب أو لآخر فما الذي يمنع مصمما مثل فؤاد بدوي من أن يبيع القوالب الخاصة به على موقع عربي جنبا إلى جنب مع Themeforest؟
فكرة منصة أسناد
منصة أسناد أسسها المدون ورائد الأعمال المغربي محمد الساحلي في العام 2012 واستمر في العمل على تطويرها حتى استحوذت عليها شركة حسوب بصفقة شراءية وأعادت افتتاحها في شهر فبراير من العام 2014. ومنذ انضمام المنصة تحت مظلة حسوب لم أرى حماسا كبيرا من الشركة في التسويق لها بعكس المشاريع الأخرى، فقد كان واضحا بأن حسوب تتعامل مع أسناد بإهتمام أقل بكثير من مواقعها الأخرى المتعددة كما ذكرت في بداية المقال ولهذا فإنه لم يكن مستغربا أن يتم إغلاق المنصة في نهاية المطاف.
يمكن أن نلخص فكرة أسناد بأنها منصة تمكّن أصحاب المنتجات الرقمية من بيع منتجاتهم وتساعدهم في ذلك من ناحيتين رئيسيتين:
- البيع بشكل آلي، بحيث يقوم صاحب المنتج برفع منتجه على الموقع وإضافة الوصف الخاص به على صفحة المبيعات ومن ثم نشره، وعند قيام أي شخص بالشراء فإنه يتمكن من تنزيل المنتج تلقائيا بعد إتمام الدفع ودون أي تدخل من صاحب المنتج.
- توفير طرق دفع آمنة تحفز على شراء المنتج وبالتالي تحقيق الفائدة لصاحبه.
في هاتين النقطتين يمكن أن نختصر الهدف والفائدة من منصة أسناد، وفكرة المنصة ليست جديدة ولا مبتكرة على مستوى الإنترنت فهناك منصات أجنبية متعددة بنفس الفكرة ومنها على سبيل المثال منصة Gumroad الشهيرة، ولكن أسناد كانت قد نقلت هذه الفكرة للعالم العربي.
بالنسبة للبيع بشكل آلي فهي ليست ميزة كافية لوحدها في أن تجعل للمنصة أهمية كبيرة، وكذلك بالنسبة لتوفير بيئة آمنة للدفع، فهناك الكثير من الإضافات البرمجية لمنصة وورد بريس والتي تباع بأثمان بسيطة تدفع لمرة واحدة ويمكن استخدامها لاتمام بيع المنتجات آليا، ومنها على سبيل المثال إضافة eStore والتي يمكن أيضا ربطها بموقع PayPal لاتمام عمليات الدفع بكل سهولة وأمان، وبالتالي فإن صاحب المنتج لن يكون ملزما بدفع 10% من قيمة منتجه بالإضافة إلى مبلغ مقطوع مقداره 0.5 دولار وهي عمولة أسناد.
قد تقول بأن أسناد توفر على صاحب المنتج قيمة استضافة الموقع الذي سيستخدمه للبيع، فلن يكون ملزما بإنشاء موقع خاص به وتحمل تكاليف ذلك، وأنا أقول بأن تكلفة استضافة الموقع لم تعد تشكل عائقا، فالأسعار منخفضة للغاية ويمكن إنشاء موقع ببضعة دولارات شهريا قد لا تتجاوز الخمسة في بعض الأحيان! كما أن إنشاء موقع يعتبر أمرا ضروريا لتحقيق النجاح في مجال بيع المنتجات الرقمية، خاصة إذا ما أردنا الاعتماد على التسويق بالمحتوى الذي اعتبره من أهم عوامل النجاح.
ماذا عن تطوير الفكرة؟
هل أتخذت حسوب القرار الصائب بإغلاق منصة أسناد؟ لا يمكنني أن أجيب بشكل دقيق على هذا السؤال فهنالك معطيات وخفايا خاصة بحسوب تساعدها على اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا، ولكن من وجهة نظري الشخصية فإن قرار الإغلاق صائب جدا إذا كانت المنصة ستبقى بشكلها الحالي دون إدخال تعديلات جذرية عليها، فكما شرحت بالأعلى فإني لا أرى بأن الخدمة التي تقدمها المنصة مجدية بشكل كبير للمستخدم العربي، ولكن ماذا عن تطوير المنصة؟
منذ البداية كانت هناك أصوات كثيرة طالبت بأن تكون أسناد منصة لعرض المنتجات، أي أن يكون هنالك معرضا لجميع المنتجات المتوفرة على المنصة وتتولى حسوب مهمة التسويق كما هو الحال في موقع خمسات مثلا، فإذا كان خمسات متخصص بالدرجة الأولى في تقديم الخدمات، فيمكن أن تخصص أسناد لبيع المنتجات الجاهزة، بالطبع فإن هذا التطوير يجعل من فكرة أسناد مختلفة تماما ولكنه كان سيشكل فارقا كبيرا وقد يقود المنصة إلى تحقيق نجاح كبير.
بالإضافة إلى وجود المعرض فإن هنالك تطوير لو تمت إضافته للمنصة لأحدث ثورة تقنية في العالم العربي وأتحدث هنا عن التسويق بالعمولة، ويمكن أن يكون ذلك بنفس الفكرة التي يقوم عليها الموقع العالمي كليك بانك، هذا الأمر كان من شأنه أن يجعل المنصة أكثر تفاعلا بشكل كبير ويتيح تحقيق أرباح أكبر بكثير لثلاثة أطراف، صاحب المنتج، والمسوق، وبالتالي لحسوب!
هنالك تفاصيل أخرى كنت أتمنى أن أراها على أسناد مثل إمكانية الربط بالمواقع العالمية المتخصصة في بناء القوائم البريدية كـ Aweber و Mailchimp وغيرها، فهذا أمر ضروري وهام لأصحاب المنتجات الرقمية، وإتاحة اسم المشتري وبريده الإلكتروني على شكل قائمة كما كان الحال في أسناد لم يكن مجديا بشكل كبير.
ربما تفاجأنا حسوب بأنها تعمل على منصة بديلة تحقق هذه المطالب، وشخصيا أرجو أن يحدث ذلك في القريب العاجل.