العمل الحر

موقعك الشخصي أم منصات العمل الحر

بسم الله الرحمن الرحيم

في المقالات الأخيرة تحدثت كثيرا عن العمل الحر، وإذا لم تكن قد قرأت تلك المقالات فأنصحك بمراجعتها وهي هل مستقل منافس لمواقع الأعمال الحرة العالمية؟ و كيف تنجح في مواقع العمل الحر freelance؟ وأخرها المقال الذي كتبته قبل أيام بعنوان الوظيفة أم العمل الحر عبر الإنترنت؟. ناقشت في تلك المقالات جوانب هامة ومتعددة ومنها شرح مفهوم العمل الحر بشكل مختصر ومبسط. اليوم سنناقش جانبا مختلفا حول العمل الحر وهو عبارة عن مقارنة بين العمل من خلال إنشاء موقع شخصي أو استخدام منصات العمل الحر المختلفة ومنها على سبيل المثال المواقع العالمية Elance, oDesk, Freelancer والموقع العربي مستقل، وسنناقش الأمر من ثلاثة جوانب مختلفة ليكون المقال أكثر شمولية.

الجانب التقني

كل موقع على شبكة الإنترنت يتطلب الكثير من الأمور التقنية ومنها حجز نطاق الموقع Domain، استضافة الموقع، البرمجة والتصميم، وغيرها من الجوانب التقنية الضرورية لعمل أي موقع، فإذا رغبت بعمل موقعك الخاص فإنه من الضروري أن تهتم بهذه الجوانب كافة بالإضافة إلى ما يتفرع منها، فاستضافة الموقع مثلا تستلزم منك أيضا الاهتمام بالنسخ الاحتياطي وأن لا تعتمد على النسخ الذي تقوم به الشركة المستضيفة فقط.

يمكن أن ننظر للأمر هنا من شقين، الأول أن هذه الأمور ستحتاج منك إلى الكثير من الوقت والجهد لإنجازها، فاختيار اسم النطاق والبحث عن المستضيف الأفضل والتعاقد مع مصمم لإخراج الموقع بالشكل المناسب كلها أمور تحتاج إلى تخطيط ومتابعة وتستغرق الكثير من الوقت والجهد، أما الشق الثاني فيتعلق بالتكلفة المادية، وهناك تكاليف تدفع لمرة واحدة كبرمجة وتصميم الموقع؛ وتكاليف تدفع بانتظام وبشكل مستمر مثل رسوم الاستضافة والنطاق، بل حتى التكاليف التي وصفناها بأنها تدفع لمرة واحدة فإنها قد تتكرر ولكن ليس بشكل منتظم، فقد تحتاج إلى التعديل على برمجة أو تصميم الموقع أو تغييرهما كليا في بعض الأوقات.

كل هذه الأمور ستؤثر على الوقت المخصص لعملك وقد تشتت تركيزك هنا وهناك، بينما الأمر مختلف تماما في حال اعتمدت على منصات العمل الحر، فالمنصة مجهزة بكل شيء يساعدك على إنجاز العمل، حيث يمكنك إنشاء ملفك الشخصي والذي يعتبر بمثابة صفحة تعريف موجزة عنك، بالإضافة إلى توفر كافة الأدوات التي تمكنك من تقديم عروضك على المشاريع المختلفة والمنشورة في تلك المواقع.

الجانب التسويقي

عندما تقوم بإنشاء موقعك ويكلفك الكثير من المال والجهد والوقت لتخرجه كتحفة فنية متميزة فهل هذا يكفي لتحقق النجاح؟ مهما كان شكل الموقع وجمال تصميمه وجودة برمجته وسهولة تصفحه فهل هذه الأمور وحدها كافية؟ بالطبع أن تلك الأمور لها أهمية كبيرة جدا ولكن أهميتها تظهر في المرحلة التسويقية الثانية كما أحب أن أسميها، فما هي المرحلة الأولى إذا؟

لعلك تسمع دائما بأن هناك أساسيات لنجاح أي موقع، وهذه الأساسيات تختلف حسب طبيعة ذلك الموقع، فالمتاجر الإلكترونية تختلف في طبيعتها عن المدونات مثلا، فإذا كانت جودة الأصناف وعددها وطريقة عرضها وتوصيفها هي الأساس في المتاجر؛ فإن جودة المقالات والمحتوى هو المهم في المدونات، وهكذا هو الأمر بالنسبة لمختلف أنواع المواقع، ولكن هناك جانب أساسي لا بد منه مهما اختلفت توجهات المواقع وتخصصاتها وهذا الجانب هو الزائرين المستهدفين والمهتمين بمحتوى الموقع Targeted traffic، فلو رجعنا للسؤال الذي طرحته بالأعلى وهو هل التصميم والشكل العام للموقع يكفي للنجاح لعرفنا بأن الإجابة هي النفي دون شك، فكل تلك الأمور لن تكون لها قيمة ما لم يحصل الموقع على عدد كبير من الزائرين وليس أي زائرين بل أولئك المهتمين بالمحتوى الذي يقدمه الموقع، وجلب الزارئين هو ما أحب أن اطلق عليه المرحلة التسويقية الأولى.

لعلك تتساءل؛ لماذا اسميت عملية جلب الزائرين بالمرحلة التسويقية الأولى بينما التصميم والبرمجة وإعداد المحتوى هي كلها عمليات سابقة لجلب الزائرين؟ السبب بسيط للغاية، فالتصميم والبرمجة وإضافة المحتوى وغيرها هي من لوازم عمل الموقع ويجب أن يتم إنجازها أولا وهذا صحيح، ولكن هذه العوامل لا تظهر أهميتها إلا عند دخول الزائر وتصفحه للموقع، ولهذا فعندما انظر لأهميتها من الناحية التسويقية أرى أنها تأتي ثانيا، وفي المواقع التجارية والتي تهدف إلى بيع سلعة أو خدمة تكون هذه العوامل الداخلية شديدة الأهمية عند الحديث عن تحويل الزائر إلى مشتري وهو ما يعرف بـ Conversion.

الحصول على الزائرين ليس عملية سهلة، وتحتاج لوقت وجهد كبيرين، وهناك الكثير من الطرق المختلفة لذلك مثل الإعلانات المدفوعة، شبكات التواصل الاجتماعي، محركات البحث Organic traffic وغيرها.

ليس الهدف أن أتحدث عن الجوانب التسويقية وأهميتها وطرق عملها فهذا ليس محور حديثنا، ولكن ما ذكرته بالأعلى كان مهما لأبين بأنه ومن خلال العمل باستخدام موقعك الخاص فإنك ستكون ملزما بالتسويق له بالشكل المناسب، وهذا أيضا سيأخذ الكثير من وقتك وجهدك، بل أنه سيستهلك الكثير من المال في حال رغبت بتحقيق نتائج عالية الجودة من خلال الإعلانات المدفوعة أو عند الاستعانة بخبراء تحسين ظهور الموقع في محركات البحث.

منصات العمل الحر تريحك من كل هذا العناء، فلديها حملات تسويقية مكثفة وعندها القدرة على إنجاز ذلك كونها تضم أعدادا ضخمة من المستقلين وأصحاب المشاريع، وبالتالي فإن السيولة المالية التي تمتلكها لن تجعل من الأمور التسويقية عبئا عليها!

الجانب المالي

لا أقصد بالجانب المالي هنا التكاليف التي سيتوجب عليك دفعها لإعداد موقعك أو التسويق له، وإنما اقصد استلام الأموال مقابل الخدمات التي ستقدمها كمستقل، ومع تعدد طرق الدفع إلا أنك كفرد لن تستطيع أن تقدم خيارات كثيرة، وبعيدا عن هذه الجزئية حول خيارات الدفع هناك شيء أكثر حساسية وهو عامل الثقة، فهل سيقدم المشتري على الدفع لك مباشرة أم أنه سيشعر بالقلق والخوف من ضياع حقه دون أن تقدم له الخدمة المتفق عليها؟ وإذا تم تأجيل الدفع لما بعد إنجاز الخدمة فسيكون القلق أكبر من جانبك من أن لا يقوم ذلك الشخص بدفع مستحقاتك، هذه الأمور قد تؤدي إلى فقدان الكثير من الفرص وبالتالي تقليل الربح بشكل كبير.

الأمر مختلف في المنصات الشهيرة، فهي توفر طرقا متعددة سواء للدفع من قبل صاحب المشروع أو عند إرسال أرباحك، وتحظى الكثير من المنصات بثقة أصحاب المشاريع والمستقلين على حد سواء، فهي تعتبر طرفا ثالثا وظيفته توفير بيئة مميزة وآمنة للعمل الحر وليست لديها أي مصلحة مباشرة مع صاحب المشروع أو المستقل، وبالتالي فإن صاحب المشروع سيدفع المال قبل إنجاز العمل وهو مطمئن بأن المبلغ المدفوع سيبقى معلقا ولن يذهب للمستقل إلا بعد الإنتهاء من العمل بشكل كامل، والأمر نفسه بالنسبة للمستقل فهو على علم بأن حقه لن يضيع وبأن المال سيصله في حال إتمام المشروع ولن يذهب تعبه أدراج الرياح.

هل يعني كل هذا بأن العمل من خلال موقعي الشخصي هو خيار سيء وأنه لا بد من الاعتماد على منصات العمل الحر؟

الأمر ليس هكذا دائما، فهو يختلف من شخص لأخر وهناك حالات متعددة ومختلفة، شخصيا انصح كل مبتدئ بالاعتماد على منصات العمل الحر، وبعد أن يتمكن من تكوين سمعة جيدة ويصبح معروفا فيمكنه حينها أن يبدأ العمل من خلال موقعه الشخصي، ويمكن له أن يعتمد على الاثنين معا، أي يعمل على منصات العمل الحر وموقعه الشخصي في آن واحد!

Mohammad Alzayer

مستشار في الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، خبير سلاسل الإمداد والتجارة الإلكترونية. حاصل على درجة الماجستير في إدارة سلسلة التوريد من Dublin Institute of Technology بجمهورية إيرلندا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× تواصل معي