
بسم الله الرحمن الرحيم
في المقال السابق هل “مستقل” منافس لمواقع الأعمال الحرة العالمية؟ قمت بتعريف العمل الحر بشكل مختصر، وذكرت بأنه يشير إلى الأشخاص العاملين لحسابهم الخاص، ويمكن مراجعة المقال المذكور لمزيد من التفاصيل حول معنى العمل الحر.
يتساءل الكثيرون عن مدى إمكانية النجاح في مواقع العمل الحر على شبكة الإنترنت وهي كثيرة، ولعل من أشهرها موقعي Freelancer و oDesk، ويمكننا أن نضيف موقع العمل الحر “مستقل” كأشهر بديل عربي متوفر حاليا، فما هي الأسس التي يمكن اتباعها لتحقيق النجاح؟ هذا ما سأسلط الضوء عليه في هذا المقال.
بالطبع فإنه لا توجد استراتيجية واحدة للنجاح، بل أن من يستطيعون تحقيق النجاح الحقيقي هم أولئك الذين يطورون استراتيجياتهم الخاصة غالبا، إلا أن هناك بعض الأسس والمبادئ والتي يمكن أن تنطلق منها وتقوم بتطويرها وتتطويعها لتتناسب مع عملك، وهذا ما سأركز عليه هنا، فلست بصدد الحديث عن استراتيجيات خاصة يمكنك أن تتعامل معها بنظام النسخ واللصق.
ادرس أسعارك
يشتكي الكثيرون من المنافسة، فموقع مثل Freelancer مثلا تجد به الألاف من المستقلين، ولأن مقدمي الخدمات في ذلك الموقع أو غيره من المواقع العالمية هم من دول مختلفة ومتنوعة؛ فهذا يجعل المنافسة أكثر صعوبة دون شك، فلو نظرنا إلى الأسعار لوجدنا بأن مقدمي الخدمات من دول شرق آسيا على سبيل المثال دائما ما يقدمون عروضهم بأسعار منخفضة، والسبب لا يعود إلى سوء الخدمات التي يقدمونها، وإنما إلى أن مستويات الدخل والأسعار في البعض من تلك الدول تكون أقل عند مقارنتها بالدول الأخرى، وبالفعل فإن ذلك يلعب دورا في المنافسة.
البعض يصيبه الإحباط من هذه المنافسة السعرية، ويعتقد بأنه من غير الممكن العمل في هذا العالم لذلك السبب وهذا غير صحيح، فإذا كانت مستويات الدخل والأسعار في تلك الدول أقل من المستويات في الدول العربية، فإن الأسعار ومستويات الدخل في أغلب دولنا العربية هي أقل من الدول الغربية! فكيف أستطاع الغربيون النجاح بينما كثير من العرب أصابهم اليأس بسبب هذه النقطة؟!
حاول البعض استخدام الحل الأسهل وهو خفض الأسعار بشكل كبير جدا، وهذا يأتي بنتيجة عكسية في كثير من الأحيان ويؤدي إلى الفشل وليس النجاح الذي يسعى إليه أي مستقل. هناك سببين لتلك النتيجة، فالسبب الأول هو أن صاحب المشروع الذي يمتلك رؤية صحيحة لا ينظر للسعر على أنه العامل الرئيس لتقييم العروض، بل أنه ينظر للأسعار المنخفضة وغير المعقولة على أنها وسيلة من لا يمتلك الإمكانية ولا المهارة لإنجاز العمل، وإنما يلجأ للسعر المنخفض كعامل إغراء، خصوصا إذا كان ذلك السعر أقل بكثير من متوسط العروض، وبالتالي فإن صاحب المشروع يتجنب اختيار مثل أولئك الأشخاص. والسبب الثاني يعود إلى أن صاحب العرض إذا نجح في الحصول على بعض المشاريع نتيجة لسعره المنخفض، فإنه وفي كثير من الأحيان يرى بأن مستوى الدخل لا يتناسب مع الجهد الذي بذله وهذا لا يحفزه على العمل باهتمام كبير وقد يؤدي في النهاية لأن يترك العمل الحر.
قد يكون من الضروري في البداية أن تقبل بالدخل القليل حتى تثبت وجودك وتتمكن من كسب بعض العملاء وتحصل على تقييم جيد، ولكن هذا لا يعني بأن تضع أسعارا غير معقولة، وإنما المطلوب هو أن تضع أسعارا متوسطة تتناسب مع كونك مبتدءا في العمل الحر.
اثبت مهاراتك
من الممكن أن تملأ ملفك الشخصي في مواقع العمل الحر بالمهارات الكثيرة التي تمتلكها، ولكن الأهم هو كيفية إثبات ذلك لمن يريد التعامل معك، فلو كنت كاتبا فكيف تثبت امتلاكك لموهبة الكتابة، وإن كنت مصمما فكيف تقنع صاحب المشروع بأنك الأفضل، والحال نفسه لجميع التخصصات، ولهذا فإن عليك دائما التفكير بكيفية إثبات إتقانك للمهارات المختلفة.
بعض مواقع الأعمال الحرة مثل Freelancer و oDesk تتيح العديد من الاختبارات لتحديد إتقان المهارات، فيمكن مثلا أن تجري اختبارات متعددة في اللغة الإنجليزية لتثبت إتقانك للغة، وفي حال اجتيازك لتلك الاختبارات فإن ذلك يضاف لملفك الشخصي، وهذه الاختبارات مدفوعة الثمن في موقع Freelancer ومجانية في موقع oDesk.
هذه الاختبارات قد تكون مفيدة في بعض الأحيان، ولكن فكر للحظة بأنك صاحب مشروع وتبحث عن شخص لينجز عملك في احدى مواقع العمل الحر، فهل ستكون الاختبارات هي المعيار لتحديد الشخص المناسب؟ لو تحدثت عن نفسي فإني لن اهتم كثيرا بتلك الاختبارات لأسباب متعددة، فأولا لا يمكن لي أن اتأكد بأن المستقل قد أجاب على الاختبار بنفسه، فقد يكون قد طلب مساعدة من أحد أصدقاءه وهو في الحقيقة غير متقن للمهارة، ومن جانب أخر فإنه حتى وإن كان قد أجاب على الاختبار شخصيا واجتازه بشكل فعلي، فإن هذا غير كافٍ في معظم الأحيان لإثبات مهارته، لأن الجانب النظري غالبا لا يثبت القدرة الفعلية على إنجاز العمل عمليا خصوصا في الأمور التقنية مثل التصميم والبرمجة ونحوهما.
الطريقة الصحيحة والأكثر فاعلية لإثبات المهارة هي أن تقدم نماذج سابقة لأعمالك، فلو كنت مصمما وبدأت في العمل الحر فأنشأ لنفسك معرضا للأعمال وضع فيه نماذج متنوعة ليتمكن الجميع من مشاهدتها، والحال نفسه ينطبق على جميع التخصصات الأخرى.
لا تعد بما لا تستطيع إنجازه
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المستقلين هي تقديم الوعود المختلفة والتي تفوق المهارات والإمكانيات التي يمتلكونها فعليا وهذا من أكبر الأخطاء، فذلك يفقد المستقل مصداقيته أولا ويؤدي إلى تقييمه بشكل سلبي، وهو الأمر الذي سيمنع أي شخص أخر من التعامل معه أو فقدان الكثير من الفرص على أقل تقدير، والخطأ الأكبر أن البعض يلجأ لهذا الأسلوب ويعتمد على تغيير حسابه في كل مرة، فمثل هولاء الأشخاص يريدون بيع الوهم فقط، ويهتمون بتحقيق بعض الربح الوقتي ولبس لديهم أي نظرة مستقبلية واعية.
من المهم دائما أن تعرف حجم قدراتك، وأن لا تعد بأي شيء لا تستطيع إنجازه، فأنا وأنت وأي شخص أخر لا يمكن أن نمتلك كل المهارات الموجودة في الدنيا! نعم يمكن لنا أن نطور من أنفسنا ونزيد من مهاراتنا بشكل مستمر، ولكن لا ينبغي أن أقدم نفسي كمتمكن من مهارة معينة ما لم أكن أتقنها بشكل تام.
المصداقية في مثل هذه الأمور تساعد على تكوين ثقة كبيرة بينك وبين عملاءك، وهذا يساعد على تكرار التعامل وأيضا الحصول على تقييمات إيجابية.
خطط لعملك
العشوائية لها أثار سلبية دائما، فهي لا تجعلك تنجز أي شيء! ولهذا فإنه من الضروري أن ترسم لنفسك خطة واضحة لانجاز العمل، اقضي بعض الوقت في البداية في إنشاء تلك الخطة، دوّن كل شيء ووضّح الخطوات والمراحل المختلفة التي ستسير عليها حتى اكتمال العمل بشكل نهائي.
من الجيد أن تطلع صاحب العمل على خطتك فهذا له أثر إيجابي كبير، حيث يشعره ذلك بمدى اهتمامك بالدقة والتنظيم، وهذا سيساعد دون شك في حصولك على تقييم أفضل عند إنجاز العمل، ولكن عليك أن تلتزم بالخطة كما رسمتها في البداية، وإن كان هناك ضرورة للتعديل فإن صاحب المشروع يجب أن يكون على علم بذلك مع إبلاغه بكافة الأسباب.
التزم بالوقت وارسل التحديثات
الالتزام بالوقت المتفق عليه له أهمية كبيرة، فليس من الجيد أن تقدّم عرضا لإنجاز العمل في مدة زمنية قصيرة بهدف جذب صاحب المشروع لاختيار عرضك ما لم تكن قادرا بشكل فعلي على إنجاز العمل في الوقت المحدد، ففي حال لم تلتزم بالوقت المتفق عليه فإن صاحب المشروع سيتمكن من إلغاء العرض وهذا من حقه دائما، وحتى الدعم الفني في موقع العمل الحر سيقف في صفه، وهذا يعني بأنك لن تحصل على أي مقابل مادي للجهد الذي بذلته، بل وستكسب سمعة سيئة أيضا.
لتكن الأمور الطارئة وغير المتوقعة في حساباتك بشكل دائم، فإذا كنت تتمكن من إنجاز عمل معين خلال شهر فحدد فترة أطول من باب الاحتياط، فقد تشعر ببعض التعب خلال فترة العمل لأي سبب كان وهذا يجعلك غير قادر على الاستمرار لبعض الوقت، أو قد تكون لديك أمور طارئة تجبرك على التأخر، ولهذا فإنه من الضروري أن تعطي نفسك وقتا أطول، ولكن احذر من أن يكون ذلك الوقت أطول من اللازم، ففي كل الأمور يجب أن يكون هناك توازن فلا إفراط ولا تفريط!
من الضروري أن تبقي صاحب المشروع على اطلاع بكل ما يستجد في مشروعه أولا بأول، فهذا يساعد في كسب ثقته ويبين له مدى التزامك بخطة العمل، كما أن الحصول على تعليقات صاحب المشروع في كل مرحلة يساعد على تصحيح الأخطاء في حينها بدلا من أن ترسل كل شيء دفعة واحدة ويصبح التعديل صعبا في النهاية.
اهتم بالتوصيات وأراء العملاء
عند انتهاءك من العمل احرص على أن تطلب من العميل تقييمك، أراء العملاء أمر ضروري ومهم ومن أكثر ما يساعدك في الحصول على المزيد من المشاريع، حاول أن تشجع العميل على كتابة توصية مفصلة وذلك بأن تعطيه هدية أو إضافة على العمل بالمقابل، فإن للتوصيات فوائد تسويقية كبيرة جدا.
في حال حصولك على تقييم سلبي فلا تجعل ذلك مصدرا للاحباط، هذا لا يعني نهاية كل شيء، حاول أن تطور من نفسك وتتغلب على جوانب القصور في أعمالك السابقة لتفادي التقييمات السلبية لاحقا.
ابقى على تواصل
دائما ما يقال في التسويق بأن الحفاظ على عميل سابق أسهل بخمس مرات من كسب عميل جديد، وهذا أمر طبيعي، فالعملاء دائما ما يفضلون التعامل مع الجهة المضمونة بالنسبة لهم وهي الجهة التي كانت لهم تعاملات إيجابية سابقة معها، ولهذا فإنه من الضروري أن تبقي على سبل للاتصال مع عملاءك، حاول دائما أن تعطي اهتماما كبيرا بالأشخاص الذين يطرحون مشاريع بشكل متواصل، ولا تنسى أن تعمل عروضا خاصة وميزات لمثل أولئك العملاء.
مقال اكثر من رائع أخي
شكرا جزيلا 🙂