
بسم الله الرحمن الرحيم
سبق الحديث في احدى المقالات السابقة بعنوان الابتكار والتجديد والاستفادة منهما في التسويق الإلكتروني حول أهمية الابتكار في العملية التجارية بشكله العام، وفي هذا المقال سأتطرق بشكل أكبر إلى بعض الاستراتيجيات التي تساعد على تحقيق النجاح في الأنشطة التجارية. سيكون الحديث حول الموقع العربي الشهير سوق كوم والموقع العالمي امازون كمثالين بالدرجة الأولى أكثر من كونهما مادة رئيسية يدور المقال حولها وذلك للوصول إلى الفكرة الرئيسية لهذا المقال.
إن من الأمور الأساسية لنجاح أي نشاط تجاري أن يمتلك النشاط ميزة أو مجموعة من الميزات التنافسية التي يتفوق بها على الأخرين، والميزة التنافسية هي ميزة تمتلكها الجهة التجارية ولا توجد لدى غيرها من المنافسين أو أنها تتفوق على منافسيها في أداء هذه الميزة ويمكن استغلالها لزيادة حجم المبيعات وبالتالي زيادة صافي الربح، وبالطبع فإن ليس كل الميزات لها نفس الدرجة من الأهمية، فكل ميزة تتفاوت في الأهمية والحجم وفقا لحجم الفائدة التي تحققها.
بالطبع فإن هناك الكثير والكثير من العوامل المختلفة التي يمكن اعتبارها كميزات تنافسية للجهات التجارية، ولكن نجد أن هناك نوعين أساسيين يمكن تحقيق ميزة تنافسية من خلالهما وهما التركيز على استهداف سوق واسع وتقديم المنتجات أو الخدمات بسعر أقل من المنافسين أو بطريقة مختلفة عنهم، والثانية يتم خلالها التركيز على سوق ضيق مع التركيز أيضا على عامل السعر أو عامل الاختلاف، وهذه الاستراتيجيات طورها خبير الإدارة الاستراتيجية الشهير البروفيسور مايكل بورتر، والرسم بالأسفل يوضح الفكرة بصورة مبسطة.

كما يتضح من الرسم بالأعلى فإن هناك استراتيجيتان رئيسيتان، فالأولى تستهدف سوق موسع والمقصود بأن الجهة التجارية تستهدف فئات ومجموعات واسعة ومختلفة من العملاء، والثانية تستهدف مجموعة محددة وضيقة من العملاء بناء على معايير معينة تتخذها الجهة التجارية، وتحت كل نوع هناك استراتيجيتان فرعيتان حيث تركز الأولى على السعر التنافسي المنخفض كميزة وعامل أساسي للنجاح، وتركز الثانية على تقديم الخدمات أو المنتجات بصورة مختلفة عن ما يقدمه الأخرون وذلك بهدف التفوق عليهم.
ولتتضح الفكرة سأتحدث عن الموقع العالمي امازون والموقع العربي سوق كوم، وحسب وجهة نظري الشخصية أرى أنه يمكن تصنيف موقع امازون ضمن استراتيجية الاستهداف الموسع التي تركز على السعر، وتصنيف سوق كوم كمشروع تجاري يركز على الاختلاف في سوق ضيق.
موقع امازون هو مشروع تجاري مميز وفريد من نوعه، انطلق في العام 1994 ليححق نجاحا باهرا كسوق إلكتروني لبيع مختلف أنواع المنتجات، وبالطبع فإن الفكرة الجديدة كانت هي الميزة واللبنة الأساسية لنجاحه، إلا أنه وفي الوقت نفسه فإن الإدارة القوية والمميزة استطاعت أن تحافظ على مركز الموقع كمشروع تجاري رائد وناجح طوال عشرون عاما.
يعمل موقع امازون كمعرض لمختلف أنواع السلع التي يقوم الموقع ببيعها بنفسه؛ أو تبيعها بعض الجهات التجارية التي تستخدم امازون كمنفذ توزيعي على شبكة الإنترنت، ولكي تتضح فكرة التحليل الاستراتيجي للموقع سنأخذ بعض المعايير المختلفة وننظر إلى طبيعة كل منها بالنسبة لامازون.
لو بدأنا بمعيار اللغة سنجد أن امازون متوفر بلغات متعددة وهي الإنجليزية والاسبانية واليابانية والايطالية والفرنسية والصينية والبرتغالية، واللغة الإنجليزية يتقنها الكثيرون من أصحاب اللغات الأخرى غير المستخدمة في امازون وهذا يجعل الموقع مستهدِفا للكثير من الأشخاص المتحدثين بلغات أخرى ويتقنون اللغة الإنجليزية.
ولو انتقلنا لزاوية أخرى ونظرنا للموقع من ناحية الانتشار العالمي لوجدناه معروف ومشهور بالنسبة للملايين في مختلف أنحاء العالم، وحتى لو كان السوق الأكبر له في دولة معينة كالولايات المتحدة مثلا فهذا لا يعني أنه مخصص لتلك الدولة أو لمجموعة من الدول دون غيرها.
أما من ناحية المنتجات فالموقع يحتوي على عشرات الفئات والتصنيفات المختلفة وألاف المنتجات المتباينة وليس متخصصا في فئة معينة من المنتجات.
قد يختلف البعض حول اعتبار امازون متبعا للسياسة السعرية وقد صنفته هكذا وفقا لوجهة نظري الشخصية وهي ليست بالضرورة أن تكون صحيحة، وبالطبع فإن تحديد ذلك ليس بالأمر السهل خصوصا أن موقع امازون يعمل بنفسه كبائع للمنتجات بالإضافة إلى كونه منصة تتيح للأخرين من أصحاب الأعمال عرض منتجاتهم عليه لبيعها، ولكن الفكرة أن الكثيرين ممن يلجأون للشراء من امازون يكون السعر أحد المعايير الهامة بالنسبة لهم، وبالطبع فهو ليس العامل الوحيد فقد تكون هناك أسبابا أخرى كثيرة تؤدي بالمشتري إلى اتخاذ القرار الشرائي من امازون غير السعر إلا أني أرى أن عامل السعر يبقى أحد المعايير الأساسية.
لو انتقلنا لموقع سوق كوم وتعمقنا فيه بنفس الطريقة السابقة لموقع امازون لوجدنا أنه لم يأتي بفكرة جديدة بل أن طريقة عمل الموقع لا تضاهي في الحجم والامكانات المتاحة موقع امازون ولا يمكن المقارنة بين الاثنين. إذا فموقع سوق كوم عبارة عن استنساخ لفكرة امازون ولكن بتنفيذ أبسط بكثير، حتى أن سوق كوم نفسه دائما ما يروج إلى أن الكثيرين يعتبرونه “امازون الشرق الأوسط” مع أن هذا لا يعني بالطبع أن الموقع منافسا لامازون أو أنه يرغب بالدخول في دائرة التنافسية معه كما سيتبين في الأسطر القادمة.
موقع سوق كوم يقوم ببيع السلع المختلفة بنفسه بالإضافة إلى تمكين الجهات التجارية من البيع عن طريقه، بل ويمتد الأمر للأفراد الذين يتيح لهم الموقع فرصة بيع السلع الجديدة أو المستعملة وهذا ما لا يوفره موقع امازون الذي يقتصر على الجهات التجارية فقط.
بالنسبة للغات فموقع سوق كوم متوفر باللغتين العربية والإنجليزية فقط، والموقع متوفر لأربع دول مختلفة بروابط فرعية هي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت ومصر، وتتوفر نسختان لكل دولة الأولى باللغة العربية والثانية بالإنجليزية.
وجود اللغة الإنجليزية جنبا إلى جنب مع اللغة العربية في موقع سوق كوم لا يعني أنه يستهدف مختلف دول العالم؛ بل أن الموقع يصف نفسه على أنه أكبر مواقع التجارة الإلكترونية في العالم العربي أي أنه مختص بهذا السوق، ومن الواضح أيضا أن الموقع يعتمد بنسبة كبيرة على السوقين الخليجي والمصري أكثر من الأسواق العربية الأخرى.
بالنسبة للمنتجات فسوق كوم قد اختار التنوع أيضا في هذا الجانب ولم يكتفي بفئات وتصنيفات محددة، فنجد في الموقع المنتجات المختلفة مثل الأجهزة الإلكترونية والأزياء والكتب والألعاب وغيرها.
قد تكون نقطة السياسة السعرية محل خلاف بالنسبة لسوق كوم أيضا خصوصا لو نظرنا إلى تنوع واختلاف البائعين، وأرى شخصيا أن الموقع لا يعتمد بدرجة كبيرة على المنافسة السعرية، نعم؛ قد تكون هناك عروض متجددة ومحاولة لمنافسة الأسعار في الأسواق المحلية، إلا أننا نجد الكثير من الأشخاص يعتبرون أن أسعار السلع في سوق كوم مرتفعة مقارنة بالبدائل الأخرى، فسوق كوم والبائعين الأخرين الموجودين فيه قد يعتمدون بالدرجة الأكبر على مستوى الخدمة وعلى توفير منتجات بأسعار أقل من الأسواق المحلية أحيانا إلا أنها لا تنافس الأسعار في مواقع التجارة الإلكترونية العالمية غالبا.
لماذا صنفنا سوق كوم على أنه يعمل في سوق ضيق؟ بكل بساطة لأن الموقع يستهدف السوق العربي وقد استطاع أن يحقق النجاح فيه، وهذا النجاح لم يأتي من فراغ بل من خلال تقديم شيء مختلف يتناسب مع طبيعة المشتري في الدول العربية، فقد ذكرت في المقال السابق والمعنون بـ التجارة الإلكترونية في السعودية ووفقا لدراسة موقع Payfort للمدفوعات أن 76% من عمليات الدفع للمنتجات والخدمات المشتراة إلكترونيا في السعودية تتم بطريقة الدفع عند الإستلام وهذا يعطي مؤشرا كبيرا على أن هذه الطريقة لها دور كبير في نجاح الموقع، ولو عرفنا أن السعودية هي الأقل من بين جميع دول الخليج في استخدام طريقة الدفع عند الاستلام لتأكدنا من هذه النقطة بشكل أكبر، فدولة الإمارات يشكل الدفع عند الاستلام بها نسبة 78% ودولة الكويت 79% بينما تأتي مصر بنسبة 80%، وبالطبع فإن امازون أو غيره من المواقع العالمية لا توفر هذه الميزة.
ولعامل اللغة دور مهم أيضا، فليس جميع الأشخاص في الدول العربية يتقنون اللغة الإنجليزية ليتمكنوا من التعامل المباشر مع موقع امازون أو غيره من المواقع المشابهة، وبهذا يكون عامل اللغة ميزة إضافية لسوق كوم وبعض المواقع العربية الأخرى.
إذا فموقع سوق كوم بهذه الاستراتيجية تجنب منافسة امازون لأن إدارة الموقع تعلم أنها خاسرة في حال وضعت نفسها كمنافس لامازون أو لغيره من المواقع العالمية الشهيرة واستخدمت الحل المناسب بتجنب المنافسة من خلال تقديم ما لا يتوفر في امازون لمن يحتاجه من الجمهور، بمعنى أن سوق كوم لا يهدف إلى سحب البساط من امازون في السوق العربي بالدرجة الأولى بقدر ما يهدف إلى جذب أولئك الأشخاص الذين لا يتمكنون من التعامل مع امازون أو غيره من المواقع العالمية بسبب عدم امتلاك بطاقة ائتمانية أو عدم الرغبة باستخدامها في شبكة الإنترنت وكذلك لمن لا يتقن اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات المتاحة.
بالنسبة للاستراتيجيتين الأخريين فلهما نفس الفكرة، حيث أن استراتيجية “التركيز على الاختلاف في سوق موسع” تأخذ بها الجهات التجارية التي تعمل في سوق واسع مع التركيز على تقديم شيء مختلف عن الأخرين بدلا من السعر للحصول على ميزة تنافسية، أما استراتيجية “التركيز على السعر في سوق ضيق” فتشير إلى اتخاذ الجهة التجارية سياسة التميز السعري على المنافسين في سوق ضيق كأن تستهدف شريحة من المجتمع أو فئة معينة باستخدام احدى المعايير المختلفة.
الفائدة من مثال سوق كوم وامازون
الإسهاب في المثال كان بهدف الوصول لفكرة مختصرة تمثل جوهر المقال وهي أن اختيار الاستراتيجية المناسبة لأي مشروع تجاري سواء كان إلكترونيا أم تقليديا له دور أساسي في تحديد مدى نجاح المشروع من عدمه، فلو لم يقدم سوق كوم شيئا مميزا يكسبه ميزة تنافسية مثل الدفع عند الاستلام واكتفى بالبطاقات الائتمانية فإنه دون شك لن يصل إلى ما وصل إليه، ولو أنه بالإضافة إلى ذلك أيضا لم يستخدم اللغة العربية وانشأ موقعا بلغات أجنبية ينافس به في السوق العالمي فلا يمكن لأي كان أن يتوقع له النجاح بشكله الحالي.
هل هذا يعني أن المشروع الذي ينافس امازون في نفس استراتيجيته لن يكتب له النجاح؟ لا؛ ليس هذا هو المقصود هنا، فيمكن أن يظهر مشروعا أخر يعمل بنفس الاستراتيجية ويحقق النجاح، وإن لم يكن ذلك ممكنا لما رأينا التعدد والتنوع في الشركات التي تقدم منتجات متشابهة في نفس المجال وتستخدم استراتيجيات سوقية متقاربة، إلا أن أي مشروع جديد يتخذ طريق المنافسة يجب أن يقدم شيئا مختلفا يتفوق به على موقع امازون ليكسب ميزة تنافسية، هذا بالإضافة إلى امتلاكه القدرة المالية والإدارية والتسويقية التي تؤهله لهكذا منافسة.
وبالطبع تبقى الأفكار الرائدة والجديدة إذا ما قدمت شيئا مفيدا ومهما للمستخدم وتم طرحها بشكل احترافي ومتميز هي الطريق الأمثل والأفضل للوصول إلى النجاح حتى مع محدودية الإمكانيات وذلك لعدم وجود المنافس ولنا في موقع امازون عند بدايته خير مثال، وإذا أردنا مثالا أقرب زمنيا فالموقع الأجنبي Fiverr للخدمات المصغرة يعتبر نموذجا أخرا على مدى نجاح الفكرة المبتكرة.
سلمت يداك اخي الكريم مقال اكثر من ممتاز
بالفعل مواقع التسوق التى ذكرتها تعتبر من اكبر
المواقع الخاصة بالتسوق لذلك اجد بان المقاله
افادتني كثيراُ انا كا متسوق عربي
مقال اكثر من رائع
مقالة جد رائعة,في نظري موقع سوق كوم موقع يستحق هاته المرتبة لكن انا افضل موقع وادي
يا فندم سوق .كوم شركه من شركات امازون الام يعني الفلوس كلها بتررح ل جيف بيزوس ف الاخر
مش زي ماقولت انها بتنافس امازون