بسم الله الرحمن الرحيم
تحدثت في مقال سابق بعنوان الأمان والخصوصية في عمليات الشراء والدفع الإلكتروني حول العوائق التي قد تحول دون توجه الكثير من الناس إلى الشراء عبر شبكة الإنترنت في عالمنا العربي خصوصا، وقد ذكرت فيه بعض الإجراءات البسيطة التي يمكن اتباعها لإجراء عمليات الدفع بطريقة آمنة وكذلك الحفاظ على خصوصية المعلومات الشخصية، ولكن تبقى هناك نقاط كثيرة أخرى قد تشكل دافعا للتوجه إلى هذا النوع من التسوق؛ وفي الجانب الأخر بعض المعوقات التي قد تحول دون ذلك، وسأتحدث عن بعض النقاط لهاذين الجانبين في هذا المقال.
هناك أسباب ومحفزات عديدة تدفع المستهلكين للتوجه للشراء الإلكتروني، ولعل من أهمها حسب وجهة نظري أن الخيارات في شبكة الإنترنت كثيرة جدا ومتعددة ويمكن للمستهلك المقارنة بين البائعين والمنتجات باستخدام مختلف المعايير كالسعر وتكلفة الشحن والفترة الزمنية لاستلام المنتج والسمعة التي يتمتع بها البائع وغيرها من العوامل، وما تسبب بخلق هذه الحالة هو زيادة حدة التنافس بين الجهات التجارية مما أدى إلى وجود بيئة أكثر إيجابية لصالح المستهلك، فمع كثرة المنافسين يسعى كل منهم لكسب ميزة تنافسية ليتقدم على الأخرين ويحصل على أكبر قدر من الحصة السوقية.
وقد لا يكون السعر وحده معيارا كافيا، ففي كثير من الأحيان يتوجه المستهلك للشراء الإلكتروني بسبب عدم توفر المنتج الذي يطلبه في الأسواق المحلية، ففي ظل العولمة التي وصلت لأوجها مع ظهور وتطور شبكة الإنترنت لم يعد الأمر بيد التاجر المحلي في عرض ما يشاء وبالسعر الذي يريد لأنه إذا لم يوفر ما يطلبه المستهلك فلن يكون له مكان في السوق وهذا هو أساس علم التسويق الحديث والذي يهدف إلى دراسة رغبات المستهلك واحتياجاته كأول خطوات العملية التسويقية.
قد لا يحب بعض المتسوقين أن يأتي موظف المبيعات ليعرض عليهم خدماته أو أن يبدأ بحديث لا ينقطع عن المنتج حتى بدون أن يسأل المتسوق عنه، وهذا الأمر لا يخلو منه أي متجر مع اختلاف الطريقة والأسلوب، فالأمر يختلف من دولة لأخرى حسب طبيعة المجتمع ويختلف من متجر لأخر حسب السياسة المتبعة فيه وكذلك يختلف حسب نوع المتجر أيضا، فعند الذهاب للسوبر ماركت مثلا قد لا يجد المتسوق من يعيره الاهتمام حتى لو فكر في السؤال عن شيء ما بينما في متاجر الملابس الراقية قد يجد اهتماما شخصيا بمجرد دخوله، ومهما كانت الطريقة المتبعة فهي غير موجودة عند التسوق في العالم الافتراضي بالشكل نفسه الموجود في أرض الواقع، فالمتسوق هنا له كامل الحرية في البحث والمقارنة كما أن إجابات أسئلته موجودة في وصف المنتج، وإن أراد المزيد من المعلومات فيمكنه الاتصال بالبائع سواء كان فردا أو مجموعة تجارية بالشكل الذي يريد وبالمقدار الذي يحدده دون وجود تلك الضغوطات البيعية الموجودة في المتاجر، وحتى مع وجود نظام المحادثات المباشرة والتي تظهر فجأة في بعض المواقع ليعرض الموظف المساعدة على الزائر؛ فإنها لا تشكل أي ضغوطات تذكر والهروب منها يكون بضغطة زر كما ذكرت في مقال المغريات التسويقية والضغوطات البيعية، وهذا دون شك يضيف ميزة أخرى للشراء الإلكتروني.
ولعل من الفروقات بين التسوق التقليدي والإلكتروني والتي تضاف لمصلحة الأخير أن المستهلك في النوع الأول قد يتوجه لمتجر معين لشراء بعض المنتجات المحددة سلفا، ولكن مع وجود المغريات التسويقية والضغوطات البيعية يجد المستهلك نفسه وقد اشترى أشياء أخرى لم يكن مخططا لها وقد تكون هذه الأشياء لا أهيمة لها عنده أساسا، ولعل هذا الأمر شائع في مراكز التسوق الكبرى (الهايبر ماركت) والتي تضع المنتجات في أماكن محددة ومدروسة بدقة وذلك يؤدي إلى لفت انتباه المستهلك والتأثير عليه لاتخاذ قرار الشراء وهذا ناتج عن دراسة دقيقة لسلوك المستهلك من قبل هذه الجهات، ولكن هذا الأمر غير موجود في التسوق الإلكتروني بهذه الطريقة؛ فالمستهلك هنا يشتري ما يحتاجه فقط دون تأثير مباشر أو غير مباشر على قراره الشراءي، وقد يوجد شيء مشابه بتأثير أقل وذلك في ما تفعله كثير من المواقع من عرض بعض المنتجات الإضافية للمستهلك قبل إتمام عملية الدفع إلا أن تأثيرها لا يوازي ذلك التأثير الذي يحدث في المراكز التجارية المختلفة.
بالنسبة لقراءة أراء المشترين السابقين في نظام تقييم المنتجات الذي توفره أغلب المواقع الكبرى خصوصا فهو سلاح ذو حدين، فهناك مواقع موثوقة وكبيرة مثل Amazon والذي قد يشكل تقييم المنتجات فيه فائدة للمستهلك ويساعده على اتخاذ القرار الصحيح؛ بينما قد يكون الأمر مجرد خدعة في مواقع أخرى، بل حتى في المواقع الكبرى قد لا يكون التقييم مساعدا للمستهلك دائما؛ فكثير ما نجد أراء متضاربة حول منتج معين بسبب تباين أراء الناس ونظرهم للمنتجات من زوايا مختلفة.
ربما يعتبر البعض موضوع الراحة وتجنب زحام الأسواق ميزة أخرى للتسوق الإلكتروني حيث يمكن للمستهلك إتمام عملياته الشراءية في الشبكة لتصله المنتجات لباب المنزل دون عناء، بينما ينظر أخرون لهذه النقطة بصورة سلبية فهي أولا تزيد من نسبة الكسل وكذلك تزيد من تراجع العلاقات الاجتماعية والتي تأثرت بشكل كبير مع وجود هذا العالم الافتراضي ليأتي التسوق عبر الإنترنت ويزيد الأمر سوءا.
وبالانتقال إلى معوقات الشراء الإلكتروني قد نجد أن ضعف الثقة أو انعدامها في بعض الأحيان يشكل عائقا كبيرا خصوصا عند شراء المنتجات أو الخدمات من أفراد وليس جهات تجارية رسمية، فقد سمعنا جميعا عن الكثير من عمليات الاحتيال التي تتم داخل العالم الافتراضي مما أدى إلى عدم موثوقية التعاملات التجارية إلكترونيا، والمشكلة الأكبر أن الأمر قد لا يقتصر على الأفراد فقط بل قد يمتد إلى جهات رسمية مرخصة في بعض الأحيان إذا لم يوجد نظام صارم للجرائم الإلكترونية في بلد تلك المنشأة، وقد يكون تخوف البعض من الدفع الإلكتروني أو غياب الخصوصية في هذه المعاملات عائقا أيضا إلا أني لن أتحدث عن ذلك هنا ويمكن مراجعة الرابط في بداية هذا المقال للمزيد حول هذه النقطة.
وهناك معوقات مرتبطة بطبيعة بعض المنتجات مثل روائح العطور ومقاسات الملابس وغيرها من المنتجات التي تتطلب المعاينة المباشرة أو يفضل العميل معاينتها بشكل مباشر، وبالطبع فإن هذا سبب وجيه جدا فلا يمكن لشخص أن يشتري عطرا دون أن يشم رائحته أو ملابس دون أن يتأكد من إنها تناسبه، ونرى هنا أن البعض وللاستفادة من انخفاض سعر منتج ما في شبكة الإنترنت فإنهم يتوجهون للمحلات التجارية لقياس الملابس أو شم رائحة العطور ومن ثم شراءها من احدى المتاجر الإلكترونية.
ولو تحدثنا عن الشراء من المواقع العالمية كموقع Amazon فإن شحن المنتجات قد يشكل حاجزا في كثير من الأحيان لأسباب عديدة، فتكلفة الشحن المرتفعة قد تجعل سعر المنتج أعلى من سعره في السوق المحلي احيانا ولهذا فإن على المستهلك المقارنة بين الأسعار المختلفة خصوصا إذا كان مبلغ السلعة مرتفعا، فالاعتقاد بأن الأسعار في موقع امازون أو غيره من المواقع المشابهة دائما ما تكون أقل من سعر السوق المحلي هو اعتقاد خاطئ جدا، وبالنسبة لموقع امازون الامريكي فإن الأسعار فيه قد تكون أعلى أو أقل من الأسعار في أسواقنا، أما الموقع البريطاني لامازون فإن الأسعار فيه وحسب مقارنتي للعديد من المنتجات تكون أعلى بكثير أحيانا من الأسعار لدينا ولهذا أسباب كثيرة لا مجال لمناقشتها هنا.
وقد يكون التأخر في شحن المنتج والانتظار الطويل عائقا في بعض الأحيان حتى مع وجود السعر المنخفض، فالمستهلك أحيانا لا يستيطع الانتظار لفترة طويلة لسبب أو لأخر وخصوصا إذا كان شراء المنتج من احدى المواقع العالمية والتي لا تتواجد في بلادنا العربية وهذا يشكل عائقا لإتمام عملية الشراء الإلكتروني، وكذلك هو الأمر بالنسبة لإجراءات الشحن والتي قد تكون معقدة وطويلة بالنسبة لبعض الدول وذلك بعكس دول أخرى والتي يكون فيها الشحن أكثر سهولة وموثوقية.
عدم وجود موظفين يمكن سؤالهم بشكل مباشر حول المنتجات في التسوق الإلكتروني قد يشكل عائقا احيانا؛ خصوصا إذا كان ذلك الموقع لا يدعم نظام المحادثات المباشرة؛ وقد يطول الأمر إذا تم التواصل عبر البريد الإلكتروني وهذا ما لا يريده المستهلك في كثير من الأحيان، فتجنب الضغوطات البيعية الموجودة في التسوق التقليدي لا يعني دائما الانتقال لطريقة أخرى مغايرة تماما وتمتلك نفس درجة السلبية ولكن في الجانب الأخر.
وخلاصة القول أن لكل أمر جانبين احدهما إيجابي والأخر سلبي وعلى المستهلك أن يوازن بينهما ليحصل على الفائدة المرجوة فلا يتجنب الشراء الإلكتروني بشكل كامل خوفا من الجوانب السلبية ولا يعتمد عليه اعتمادا كليا في حياته، ويبقى التسوق والشراء متعة للكثير من الناس قبل أن يكونا ضرورة.